التخطي إلى المحتوى
رحلة تاريخية تعاد تدريجياً من البصر إلى بحر العرب مالذي يحدث اليكم التفاصيل

رحلة تاريخية تعاد تدريجياً من البصر إلى بحر العرب مالذي يحدث اليكم التفاصيل من لسان الباحث

 

على مقربة من ملتقى دجلة والفرات في محافظة البصرة العراقية، عكف قبل 45 عاماً المغامر وعالم الأجناس والحضارات النرويجي الدكتور ثور هايردال مع 10 علماء وباحثين من جنسيات مختلفة على تصميم وبناء مركب شراعي من نبات البردي السائد في أهوار العراق، وانطلقوا به في رحلة شاقة محفوفة بالأخطار أراد هايردال من خوضها أن يبرهن نظريته عن التواصل عبر المحيطات والبحار بين الحضارات القديمة.

 

نظرية جدلية

يقول الكاتب والوزير والسفير العراقي السابق حسن الجنابي إن “هايردال كان يرى أن تزامن بزوغ فجر الحضارة البشرية في العراق ومصر وشبه القارة الهندية لم يكن محض مصادفة، وانما كان يوجد ترابط بين تلك الحضارات القديمة، إذ كان سكان وادي الرافدين يبحرون إلى وادي السند ووادي النيل بواسطة قوارب مصنوعة من البردي”، مضيفاً أن “نظرية هايردال تتمحور حول فكرة مفادها بأن الحضارات القديمة تفرعت من أصل واحد كان منبعها العراق القديم”.

وبينما يؤكد علماء الآثار أن السومريين كانت لديهم قوارب ذات أشرعة يبحرون بها بمحاذاة سواحل الخليج، يعتقد هايردال أن السومريين كانوا يستخدمون قواربهم البدائية في الإبحار لمسافات بعيدة عبر المحيطات والبحار، ومن أجل إثبات نظريته جاء إلى العراق عام 1977 وأشرف على بناء قارب كبير من البردي بطول 18 متراً، أطلق عليه اسم “دجلة” وانطلق به مع فريقه في ظل توديع حافل، وحين كان القارب ينساب بهدوء في شط العرب مع بداية الرحلة كتب هايردال في دفتر مذكراته “شعرنا أننا غادرنا صخب العالم وضجيجه وانتقلنا بسرعة مركبة فضائية إلى الماضي السحيق، ومع كل ضربة مجذاف أحسست بالسفر عبر الزمن إلى الوراء، ليس إلى الهمجية والتخلف بل إلى حضارة بعيدة من ذلك مثل بعد حضارتنا المعاصرة”.

 

نهاية تراجيدية

 

وبعد اجتياز مضيق هرمز اتجه هايردال وفريقه صوب بحر العرب في طريقهم إلى البحر الأحمر لبلوغ أرض الفراعنة، لكن ما إن وصل القارب إلى خليج عدن حتى توقف اضطرارياً بسبب طبول الحرب التي كانت تقرع في المنطقة، والأساطيل الحربية التي كانت محتشدة على وقع النزاع الصومالي – الأثيوبي، وبطريقة تراجيدية قرر هايردال إنهاء الرحلة عند هذا الحد من خلال إضرام النار في القارب بعد قطعه مسافة 6800 كيلومتر على مدى خمسة أشهر.

وحرر هايردال خطاباً إلى سكرتير منظمة الأمم المتحدة الدبلوماسي النمسوي كورت فالدهايم جاء فيه، “لمناسبة انتهاء رحلة مركب البردي ’دجلة‘ بطاقمه الأممي، نعبر عن امتنانا لك لسماحك لنا بالإبحار تحت راية الأمم المتحدة، ونفتخر بإبلاغك بأن الهدف المزدوج لحملتنا قد تحقق مع أن توقفنا عند مدخل البحر الأحمر كان إجبارياً، إذ كانت تحيط بنا طائرات وسفن حربية قادمة من أكثر بلدان العالم تحضراً وتمدناً”.

 

ومما جاء أيضاً في رسالة هايردال “تجربتنا كانت رحلة إلى الماضي نتوخى منها درس خصائص مركب بحري صنع وفق الأسس السومرية العريقة، لكنها كانت رحلة إلى المستقبل أيضاً لإثبات أن كوكبنا يتسع للتعايش السلمي بين البشر الساعين إلى العيش المشترك، ويمكننا الإعلان أننا على رغم اختلاف توجهاتنا السياسية عشنا معاً في مكان ضيق، وكافحنا جنباً إلى جنب بروح التفاهم التام والصداقة في أوقات الصفاء والعواصف”.

وأضاف أن “كوكب الأرض أكبر من حزم البردي التي حملتنا عبر البحار، ولكنه بالصغر نفسه من حيث حجم الأخطار إن لم تتفتح عيوننا وعقولنا إلى الحاجة الحتمية للتعاون العقلاني لإنقاذ أنفسنا وحضارتنا المشتركة من التحول إلى باخرة على وشك الغرق”.

 

 

رحلات أخرى

 

لم تكن رحلة القارب دجلة أول أو آخر رحلة خاضها هايردال، بل كانت حياته مليئة بمجازفات ومغامرات ذات أهداف علمية، ففي عام 1947 أبحر باستخدام طوف خشبي بدائي لمسافة 8 آلاف كيلومتر من الساحل الغربي لأميركا الجنوبية إلى جزر بولونيزيا في المحيط الهادئ، لإثبات نظرية تفيد بأن أرخبيلات المحيط الهادئ لم تكن مأهولة فقط من قبل غربيين، بل كان يعيش فيها أيضاً بعض الهنود الحمر الذين قصدوها من أميركا الجنوبية.

 

ولتأكيد فرضيته نظرياً استعان بحكاية شعبية تتحدث عن زعيم قبلي من الهنود الحمر أبحر من البيرو نحو غروب الشمس على متن طوافة من خشب البلسا الذي يعد من أخف أنواع الخشب، ولما عرض هايردال النظرية على عدد من علماء الآثار والأجناس الأميركيين لم يجد تأييداً، وكان أحدهم عالم الآثار هيربرت سبيندن الذي اقترح عليه أن يجرب بنفسه الإبحار من البيرو إلى جزر المحيط الهادئ بطوف خشبي، فقبل هايردال التحدي ونجح بمعية خمسة آخرين في تنفيذ الرحلة التي استغرقت 101 يوم.

 

المصدر اندبندنت عربية